الكِتَابُ الثّاني: الإيمان باليوم الآخر

قال تعالى: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا}. [محمد:18]\nوقال تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا}. [الأنعام:158]

38 - (ق) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم: (لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ العِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلاَزِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الهَرْجُ ـ وَهُوَ القَتْلُ القَتْلُ ـ حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ المَالُ فَيَفِيضُ).

[خ1036 (85)/ م157م/العلم 11]

45 - (م) عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ، فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ [1] ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ، فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا، فَقَالَ: (مَا شَأْنُكُمْ) ؟ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً، فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ، فَقَالَ: (غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ؛ إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ، فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ؛ وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ، فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نفْسِه، وَاللهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ. إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ [2] ، عَيْنُهُ طَافِئَةٌ، كأَنِّي أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ العُزَّى بْنِ قَطَنٍ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ؛ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الكَهْفِ. إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّامِ وَالعِرَاقِ [3] ، فَعَاثَ يَمِيناً وَعَاثَ شِمَالاً [4] ، يَا عِبَادَ اللهِ! فَاثْبُتُوا).
قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا لَبْثُهُ فِي الأَرْضِ؟ قَالَ: (أَرْبَعُونَ يَوْماً، يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ) قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! فَذَلِكَ اليَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ، أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلاَةُ يَوْمٍ؟ قَالَ: (لاَ، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ
[5]
).
قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا إِسْرَاعُهُ فِي الأَرْضِ؟ قَالَ: (كَالغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ، فَيَأْتِي عَلَى القَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ، فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ، فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ، وَالأَرْضَ فَتُنْبِتُ، فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ، أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُراً
[6]
، وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعاً، وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ. ثُمَّ يَأْتِي القَوْمَ، فَيَدْعُوهُمْ، فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ، فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ [7] لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَيَمُرُّ بِالخَرِبَةِ فَيَقُولُ لَهَا: أَخْرِجِي كُنُوزَكِ، فَتَتْبعُهُ كُنُوزُها كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ [8] . ثُمَّ يَدْعُو رَجُلاً مُمْتَلِئاً شَبَاباً، فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ، فَيَقْطَعُهُ جَِزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الغَرَضِ [9] ، ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ، يَضْحَكُ.
فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ، إِذْ بَعَثَ اللهُ المَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ المَنَارَةِ البَيْضَاءِ
[10]
شَرْقِيَّ دِمَشْقَ، بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ [11] ، وَاضِعاً كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ، إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ [12] ، فَلاَ يَحِلُّ [13] لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلاَّ مَاتَ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ، فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ [14] ، فَيَقْتُلُهُ. ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمُ اللهُ مِنْهُ، فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ [15] وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الجَنَّةِ. فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللهُ إِلَى عِيسَى: إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَاداً لِي، لاَ يَدَانِ لأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ [16] ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ [17] .
وَيَبْعَثُ اللهُ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ، وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ
[18]
، فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ، فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا، وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُونَ: لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ. وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ، حَتَّى يَكُونَ رأْسُ الثَّوْرِ لأَحَدِهِمْ خَيْراً مِنْ مِائَةٍ دِينَارٍ لأَحَدِكُمُ اليَوْمَ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ [19] عِيسَى وَأَصْحَابُهُ، فَيُرْسِلُ اللهُ عَلَيْهِمُ النَّغَفَ [20] فِي رِقَابِهِمْ، فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى [21] كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ.
ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الأَرْضِ، فَلاَ يَجِدُونَ فِي الأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلاَّ مَلأَهُ زَهَمُهُمْ
[22]
وَنَتْنُهُمْ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللهِ، فَيُرْسِلُ اللهُ طَيْراً كَأَعْنَاقِ البُخْتِ [23] ، فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللهُ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللهُ مَطَراً لاَ يَكُنُّ [24] مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ [25] وَلاَ وَبَرٍ، فَيَغْسِلُ الأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ [26] ، ثُمَّ يُقَالُ لِلأَرْضِ: أَنْبِتي ثَمَرَتَكِ، وَرُدِّي بَرَكَتَكِ، فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ العِصَابَةُ [27] مِنَ الرُّمَّانَةِ، وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا [28] ، وَيُبَارَكُ فِي الرِّسْلِ [29] ، حَتَّى أَنَّ اللِّقْحَةَ [30] مِنَ الْإِبِلِ لَتَكْفِي الفِئَامَ [31] مِنَ النّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ البَقَرِ لَتَكْفِي القَبِيلَةَ مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الغَنَمِ لَتَكْفِي الفَخِذَ مِنَ النَّاسِ [32] . فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللهُ رِيحاً طَيِّبَةً، فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ، فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ، وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ، يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الحُمُرِ [33] ، فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ).

46 - (ق) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ [1] أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَماً [2] مُقْسِطاً، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ [3] ، وَيَقْتُلَ الخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الجِزْيَةَ [4] ، وَيَفِيضَ المَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ).

[خ2222، م155]

47 - (ق) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (لاَ تَقُومُ السَّاعةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا طَلَعَتْ فَرَآهَا النَّاسُ آمَنُوا أَجْمَعُونَ، فَذلِكَ حِينَ: {لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام:158]. وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ نَشَرَ الرَّجُلاَنِ ثَوْبَهُمَا بَيْنَهُمَا فَلاَ يَتَبَايَعَانِهِ، وَلاَ يَطْوِيَانِهِ. وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدِ انْصَرَفَ الرَّجُلُ بِلَبَنِ لِقْحَتِهِ [1] فَلاَ يَطْعَمُهُ. وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَهُوَ يَلِيطُ حَوْضَهُ [2] فَلاَ يَسْقِي فِيهِ. وَلَتَقومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ رَفَعَ أُكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ فَلاَ يَطْعَمُهَا).

[خ6506 (85)، م157 و2954]

49 - عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: كُنَّا جُلُوساً عِنْدَ حُذَيْفَةَ فَذَكَرْتُ الدَّابَّةَ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ رضي الله عنه: إِنَّهَا تَخْرُجُ ثَلاثَ خَرَجَاتٍ فِي بَعْضِ البَوَادِي ثُمَّ تَكْمُنُ، ثُمَّ تَخْرُجُ فِي بَعْضِ القُرَى حَتَّى يُذْعَرُوا وَحَتَّى تُهْرِيقَ فِيْهَا الأُمَرَاءُ الدِّمَاءَ ثُمَّ تَكْمُنُ، قَالَ: فَبَيْنَمَا النَّاسُ عِنْدَ أَعْظَمِ المَسَاجِدِ وَأَفْضَلِهَا وَأَشْرَفِها ـ حَتَّى قُلْنَا: المَسْجِدُ الحَرَامُ، وَمَا سَمَّاهُ ـ إِذِ ارْتَفَعَتِ الأَرْضُ وَيَهْرُبُ النَّاسُ، وَيَبْقَى عَامَّةٌ مِنَ المُسْلِمِينَ يَقُولُونَ: إِنَّهُ لَنْ يُنْجِيْنَا مِنْ أَمْرِ اللهِ شَيْءٌ، فَتَخْرُجُ فَتَجْلُو وَجُوهَهُمْ حَتَّى تَجْعَلَها كَالْكَواكِبِ الدُّرِّيَّةُ وَتَتْبَعُ النَّاسُ جِيْرانٌ فِي الرِّبَاعِ شُرَكَاءُ فِي الأَمْوالِ وَأَصْحَابٌ فِي الإِسْلامِ.

قال تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ *}. [النمل:82]

[ك8491]

* قال الذهبي: على شرطهما.