خامسًا: الجُمُعة والجماعات

رقم الحديث: 69

69 - عن ابنِ عمرَ رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صلاةُ الجماعةِ أفضَلُ من صلاةِ الفَذِّ بسَبعٍ وعشرينَ دَرجةً» [1] .

ترجمة راوي الحديث:
هو: عبدُ اللهِ بنُ عمرَ بنِ الخطَّابِ بنِ نُفَيْلِ، أبو عبد الرحمن القُرَشِيُّ، العَدَوِيُّ الْمَكِّيُّ، ثُمَّ الْمَدَنِيُّ، الإمامُ القُدوة، شَيْخُ الإسلام، أَسلَم وهو صغير، ثم هاجر مع أبيه لم يَحتلِم، واستُصْغِرَ يومَ أُحدٍ، فَأَوَّلُ غزواته الخَنْدَقُ، وهو ممن بايع تحت الشجرة، وأمُّه وأمُّ أُمِّ المؤمنين حفصةَ: زَينبُ بنتُ مظعونٍ، أختُ عثمانَ بنِ مظعونٍ الجُمَحيِّ، روى عِلمًا كثيرًا نافعًا عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وعن أبيه، وأبي بكر، وعثمانَ، وَعليٍّ، وبلالٍ، وَصُهيبٍ، وغيرهم، وهو من الْمُكثِرين بالفُتيا، ومن المكثرين بالحديث. "لابن عُمر ألفان وسِتُّمائةٍ وثلاثون حديثًا بالمكرَّر، واتَّفَقا له على مِائةٍ وثمانية وستين حديثًا، وانفرد له البخاريُّ بأحد وثمانين حديثًا، ومسلمٌ بِأَحَدٍ وثلاثين"
[2]
، توفِّي سنة (74) [3] .
غريب الحديث:
الفذُّ: المنفردُ
[4]
.
المعنى الإجماليُّ للحديث:
يروي ابنُ عمرَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «صلاةُ الجماعةِ»؛ أي: صلاة المرء في جماعة، وأقلُّ الجماعة الإمام والمأموم. «أفضَلُ من صلاةِ الفَذِّ بسَبعٍ وعشرينَ دَرجةً»؛ أي: إنّ صلاة الجماعة تساوي صلاة المنفرِد، وتَزيد عليها سبعًا وعشرين درجةً، فيكون لمصلّي الجماعة ثوابُ ثمانٍ وعشرين من صلاة المنفرِد.
الشرح المفصَّل للحديث:
في هذا الحديث بيانٌ لفضل صلاة الجماعة، وما فيها من الثواب والبركة؛ فإنها تَزيد على ثواب صلاة الرجُل منفردًا سبعًا وعشرين درجةً.
وقد حاول بعضُ العلماء بيانَ بعض تلك الدرجات، والأوجه التي تَفضُل بها الجماعةُ على صلاة الفرد، فذكروا أن منها ما ورد في السُّنَّة؛ كإجابة المؤذِّن، والتبكير إليها في أوَّل الوقت، والمشيِ إلى المسجد بسَكينة، ودخول المسجد داعيًا، وتحيَّة المسجد، وانتظار الجماعة، والدعاء بين الأذان والإقامة، وتسوية الصفوف، والتأمين خلفَ الإمام...
[5]
.
وقد وردت أحاديثُ صحيحةٌ فيها أن صلاة الجماعة تَفضُل صلاةَ الفذِّ بخَمْس وعشرين درجةً، لا بسَبْعٍ وعشرين؛ فمنها ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلاة الرجُل في الجماعة تَضعُف على صلاته في بيته، وفي سوقه، خَمْسًا وعشرين ضِعفًا؛ وذلك أنه إذا توضَّأ فأحسَنَ الوضوء، ثم خرج إلى المسجد، لا يُخرجه إلا الصلاة، لم يَخْطُ خُطوةً، إلا رُفِعَت له بها درجة، وحُطَّ عنه بها خطيئة، فإذا صلَّى، لم تَزَل الملائكة تُصلِّي عليه ما دام في مُصلَّاه: اللهمَّ صلِّ عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال أحدُكم في صلاة ما انتظر الصلاةَ»
[6]
، وعن أبي سعيد الخُدريِّ رضي الله عنه، أنه سمع النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: «صلاة الجماعة تَفضُل صلاةَ الفذِّ بخمس وعشرين درجة» [7] .
واختلف العلماء في الجمع بين العدَدَين على أقوال مختلفة؛ فقيل: إنَّ قومًا مُعيَّنين خوطبوا بكونها في حقِّهم تَزيد على الفذِّ خمسًا وعشرين، ولغيرهم سبعًا وعشرين، وقيل: إن الفضلَ الزائدَ للفَضل في الجماعة؛ فإن كانت جماعةً قليلةً كانت الزيادةُ خمسًا وعشرين، وإن كانت كثيرةً فسَبعًا وعشرين، وقيل: إن ذلك راجعٌ لأحوال المصلِّي؛ فإن كان في غاية من التحفُّظ من كمال الطهارة والخشوع ونحو ذلك، كانت تَفضُل صلاةَ الفرد سبعًا وعشرين درجةً، وإلا فخَمْس وعشرين، وقيل: السَّبع مختصٌّ بالعشاء والفجر، والخمس بغيرها، وقيل: السبع للجهرية، والخمس للسرِّية، وقيل: إن الحديث الذي فيه الخمس والعشرون هو السابق زمانًا؛ لأن الزيادة في الفضل ينبغي أن تكون آخرَ الأمرينِ؛ فإن الله سبحانه يَزيد عباده من فضله، ولا يَنقُصهم من الموعود شيئًا، فالنبيُّ صلى الله عليه وسلم حثَّ المؤمنين بما ذكَر من الفضيلة على صلاة الجماعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه على ما تبيَّنَ له من أمر الله، ثم رأى أن الله تعالى مَنَّ عليه وعلى أمَّته بالزيادة على الموعود، وذلك بجزأينِ على ما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما، فبشَّرهم به، وحثَّهم عليه
[8]
.
على أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد بشَّر مَن عجَز عن الجماعة لعُذرٍ من مرض أو نحوه أنَّ له مثلَ أجْره وهو سليمٌ صحيحٌ؛ فعن أبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مرِض العبدُ، أو سافر، كُتب له مِثلُ ما كان يعمَل مُقيمًا صحيحًا»
[9]
.
وقد أفاد الحديثُ أن صلاة الجماعة ليست فرضًا على الأعيان؛ لكونه صلى الله عليه وسلم فاضَلَ بينَها وبين صلاة الفذِّ؛ فسمَّى صلاةَ الفذِّ صلاةً، واعتَبَرها، وجعل لها فضلًا، وإن كانت مفضولةً، فإذا جازت صلاة الفَرْد وحدَه، بطَل أن يكون شهود صلاة الجماعة فرضًا
[10]
.
الفوائد العلمية:
1. شَرَع الله تعالى للمسلمين الاجتماع في أوقات معلومة، منها ما هو في اليوم والليلة كالصلوات الخمس، ومنها ما هو في الأسبوع، وهو صلاة الجمعة، ومنها ما هو في السنة وهو صلاة العيدين، والوقوف بعرفة للحجَّاج.
2. ما شرعه الله تعالى للمسلمين من الاجتماع هو عبادة لله تعالى، منه ما هو واجب، ومنه ما هو مستحبٌّ؛ فالتعبُّد لله تعالى بهذا الاجتماع يكون استجابةً لله والرسول، وطلبًا للأجر والثواب ورضا الله تعالى، وخوفًا من عقابه.
3. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَثْقَلَ صَلَاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ، وَصَلَاةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ، فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ»
[11]
.
4. خاض قوم في تعيين الأسباب المقتضِية للدرجات المذكورة؛ قال ابن الجوزيِّ: وما جاؤوا بطائل، وقال المحبُّ الطّبريُّ: ذكر بعضهم أنّ في حديث أبي هريرة إشارةً إلى بعض ذلك، ويُضاف إليه أمور أخرى وردت في ذلك، وقد فصَّلها ابن بطّال، وتَبِعه جماعة من الشّارحين، وتعقَّب الزَّيْن بن الْمُنير بعض ما ذَكَره، واختار تفصيلًا آخَرَ أَورَده
[12]
.
5. مما ذُكر من الدرجات السبع والعشرين: إجابة المؤذِّن بنيَّة الصّلاة في الجماعة، والتّبكيرُ إليها في أوّل الوقت، والمشيُ إلى المسجد بالسَّكينة، ودخول المسجد داعيًا، وصلاة التّحيّة عند دخوله، وانتظارُ الجماعة، وصلاة الملائكة عليه واستغفارهم له، وشهادتهم له، وإجابة الإقامة، والسّلامة من الشّيطان حين يَفِرُّ عند الإقامة، والوقوف منتظرًا إحرام الإمام أو الدّخول معه في أيِّ هيئة وَجَده عليها، وإدراك تكبيرة الإحرام، وتسوية الصّفوف وسدُّ فُرَجِها، وجَوابُ الإمام عند قوله: سَمِع اللّه لمن حَمِده، والأمنُ من السَّهو غالبًا، وتنبيهُ الإمام إذا سها بالتّسبيح أو الفتح عليه، وحصولُ الخشوع والسّلامة عمَّا يُلهي غالبًا، وتحسين الهيئة غالبًا، واحتفاف الملائكة به، والتّدرُّب على تجويد القراءة وتعلُّم الأركان والأبعاض، وإظهار شعائر الإسلام، وإرغام الشّيطان بالاجتماع على العبادة، والتعاون على الطاعة، ونشاط المتكاسل، والسّلامة من صفة النّفاق ومن إساءة غيره الظّنَّ بأنّه تَرَك الصّلاة رأسًا، وردُّ السّلام على الإمام، والانتفاعُ باجتماعهم على الدّعاء والذّكر، وعود بركة الكامل على النّاقص، وقيام نظام الأُلفة بين الجيران وحصول تعاهدهم في أوقات الصّلوات، والإنصات عند قراءة الإمام، والاستماع لها، والتّأمين عند تأمينه؛ ليوافق تأمين الملائكة
[13]
.
6. ما ذُكر من الدرجات هي أقوال تخمينيّة ليس عليها نصٌّ، والجزء والدّرجة بمعنًى واحدٍ هنا؛ لأنّه عبَّر بكلِّ واحد منهما عن الآخر، وقد ورد تفسيرهما بالصّلاة، وأنّ صلاة الجماعة بسبع وعشرين صلاةً فُرادى، والحديث حثَّ على الجماعة
[14]
.
7. المراد بهذه الأجزاء والأضعاف والدَّرَج معنًى واحدٌ - واللهُ أعلم - وَهُوَ: أن صلاة الفذِّ لها ثوابٌ مقدَّر معلوم عِنْدَ الله، تزيد صلاة الجماعة عَلَى ثواب صلاة الفذِّ خمسة وعشرين أو سبعة وعشرين
[15]
.
8. وجه الجمع لاختلاف الأحاديث في عدد الدرجات؛ إما لأن العدد القليل لا ينفي الكثير، أو أنه أُعلِم بالقليل أولاً، فأَعلَم به، ثم أُعلِم بالكثير فأَخبَر به، أو أن ذلك يختلف بحسب كمال الصلاة، ومحافظة هيئتها، وخشوعها، وكثرة جماعتها، وشرف البُقعة، ونحو ذلك
[16]
.
الفوائد الفقهية:
1. من أوضح الأدلّة على وجوب الجماعة قولُه تعالى: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ} [النساء: 102]؛ فآية صلاة الخوف هذه من أوضح الأدلّة على وجوب الجماعة؛ لأنّ الأمر بها في هذا الوقت الحَرِج دليل واضح على أنّها أمر لازم؛ إذ لو كانت غيرَ لازمة، لَما أَمَر بها في وقت الخوف؛ لأنّه عذر ظاهر
[17]
.
2. الجماعة واجبة على الرجال، لا على النساء؛ ودليل عدم وجوبها على النساء حديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ الْمَسَاجِدَ، وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ»
[18]
.
3. أقلُّ الجماعة إمامٌ ومأموم، فلولا الإمامُ ما سُمِّي المأمومُ مأمومًا، وكذا عكسُه
[19]
.
4. الحديث دليل على أن الجماعة غير شرط للصلاة، وإلا لم تكن صلاة الفذِّ ذاتَ درجة حتى تَفضُل عليها صلاة الجماعة بدرجات، والتمسُّك به على عدم وجوبها ضعيفٌ؛ إذ لا يلزم من عدم اشتراطها عدم وجوبها، ولا من جعلها سببًا لإحراز الفضل الوجوب؛ فإن غير الواجب أيضًا يوجب الفضل
[20]
.
5. هذا الحديث ردٌّ على داودَ في قوله: إن من صلَّى فذًّا، وترك الجماعة، لا تُجزئه صلاته. ووجهُ الردِّ عليه: أنه صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة الجماعة أفضلُ من صلاة الفذِّ»، فشرَّك بينهما في الفضيلة، وذلك لا يكون إلا بعد الحُكم بصحة كلِّ صلاة منهما
[21]
.
6. اختلف العلماء في هذا الفضل المضاف للجماعة: هل هو لأجل الجماعة فقط حيث كانت، أو إنما يكون ذلك الفضل للجماعة التي تكون في المسجد؛ لما يلازم ذلك من أفعال تختصُّ بالمساجد؛ كإكثار الخُطا إلى المساجد، وكتب الحسنات، ومحو السيئات بكل خُطوة، وانتظار الصلاة، ودعاء الملائكة، ومراعاة آداب دخول المسجد، إلى غير ذلك؟ والظاهر الأول؛ لأن الجماعة هو الوصف الذي عُلِّق عليه الحكم.
7. تأخير الصلاة في جماعة خيرٌ من التبكير بها فردًا، إلا أن يخاف فوات الوقت.
8. التفاوت في الدرجات إنما هو للذي لا عُذرَ له في ترك الجماعة؛ أما المعذور فيكتُب الله له مثلَ عمله الذي كان يعمله قبلَ طُروء العُذر.
من هدايات الحديث:
1. عليكم بصلاة الجماعة؛ فإنها أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة؛ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «صَلاَةُ الجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلاَةَ الفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً"
[22]
.
2. أعدَّ الله تعالى منزلاً في الجنة لمن غدا إلى المسجد أو راح؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَرَاحَ، أَعَدَّ اللهُ لَهُ نُزُلَهُ مِنَ الجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاح"
[23]
.
3. صلاة الجماعة تجعلك في ظلِّ عرش الرحمن يوم القيامة؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ»، وذكر منهم: «وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ»
[24]
.
4. ترفع صلاة الجماعة في المسجد درجتك وتمحو خطاياك؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى المكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى المسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ»
[25]
.
5. صلاة الجماعة تُعطيك أجر حجَّة؛ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُتَطَهِّرًا إِلَى صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ، فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْحَاجِّ المحْرِمِ، وَمَنْ خَرَجَ إِلَى تَسْبِيحِ الضُّحَى لَا يَنْصِبُهُ إِلَّا إِيَّاهُ، فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ المعْتَمِرِ، وَصَلَاةٌ عَلَى أَثَرِ صَلَاةٍ لَا لَغْوَ بَيْنَهُمَا كِتَابٌ فِي عِلِّيِّين»
[26]
.
6. صلاة الجماعة تشهدها الملائكة؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ وَصَلاَةِ العَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ»
[27]
.
7. صلاة الجماعة تعطيك أجر قيام الليل كله؛ عن عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ الليْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى الليْلَ كُلَّهُ»
[28]
.
8. صلاة الجماعة تعطيك النور التامَّ يوم القيامة؛ عَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَشِّرِ المشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى المسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
[29]
.
9. في الاجتماع على الطاعة التوادُّ والتحابُّ والتواصل والأُلفة والمحبَّة والتعارف، والخير والمعروف، وهَلُمَّ جرًّا.
10. في صلاة الجماعة إظهار شعيرة من أعظم شعائر الإسلام، وبها يظهر قوة المجتمع الإسلاميُّ؛ فلو – لا قدَّر الله – صلَّى المسلمون في بيوتهم، لما ظهرت شعيرة الصلاة، ولم يعرف الناس أن هناك صلاة.
11. عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللهَ غَدًا مُسْلِمًا، فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ، لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ، إِلَّا كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ"
[30]
.
12. أجب النداء؛ فهذا أَمْرٌ مِنَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بحضور الجماعة، والأمر للوجوب، وَلَمْ يُرخِّص النبيُّ صلى الله عليه وسلم لهذا الصحابيِّ في الصلاة في بيته، مع حاجته الشديدة لذلك؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ أَعْمَى، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ، فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى، دَعَاهُ، فَقَالَ: «هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَأَجِبْ»
[31]
.
13. في صلاة الجماعة إظهار عزَّة الإسلام والمسلمين، حيث يخرجون من المساجد بعد انتهاء الصلات زرافاتٍ ووحدانًا، وفي ذلك ما فيه من إغاظة لأهل النفاق والكافرين، وإضعاف لأهل الفسق والفجور، وتقوية وإظهار لعزة المسلمين.
14. في اجتماع المسلمين على شعائر الإسلام إظهار قيم المساواة، وتحطيم الفوارق الاجتماعية؛ حيث يجتمع الغنيُّ بجوار الفقير، والحاكم بجوار المحكوم، والقويُّ بجوار الضعيف، والكبير بجوار الصغير... إلخ.
15. في اجتماع المسلمين على الطاعة يَسهُل التعلُّم ومَحْوُ الجهل، حيث يجتمع أهل العلم مع العامَّة، يعلِّمون الناس ويُفتونهم في أمور الشريعة، وينشرون العلم والدعوة.
16. بشَّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم مَن عجَز عن الجماعة لعُذرٍ من مرض أو نحوه، أنَّ له مثلَ أجْره وهو سليمٌ صحيحٌ معافى؛ فعن أبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مرِض العبدُ، أو سافر، كُتب له مِثلُ ما كان يعمَل مُقيمًا صحيحًا»
[32]
.
17. قال عبد الله بن عمر القواريريُّ رحمه الله: لم تكن تَفوتني صلاة العَتَمة في جماعة، فنزل بي ضَيفٌ فشُغلت به، فخرجتُ أطلبُ الصلاةَ في قبائل البصرة، فإذا الناس قد صلَّوْا وخلَت القبائل، فقلت في نفْسي: رُوي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذِّ خمسًا وعشرين درجة»، ورُوي: «سبعًا وعشرين». فانقلبتُ إلى منزلي، فصلَّيتُ العَتَمةَ سبعًا وعشرين مرةً، ثم رقدتُ فرأيتُني مع قوم راكبي أفراس، وأنا راكبٌ فرسًا كأفراسهم ونحن نتجارى، فالتفتُّ إلى أحدهم فقال: لا تُجهد فرسَكَ؛ فلستَ بلاحقنا! فقلتُ: فلِمَ ذاك؟ قال: إنَّا صلَّيْنا العَتَمةَ في جماعة
[33]
.
18. ما كان لترك السُّنَّة وَجْهٌ إلا كفْرٌ خَفِيٌّ أو حُمْقٌ جَلِيٌّ؛ فإن العبدَ إذا عَلم أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال ذلك في شأن الجماعة، فكيف تَسمَح نفْسُه بتركها بلا عُذر؟! فسببُ الترك إما حُمْقٌ أو غفلةٌ بألَّا يتفكَّر في هذا التفاوُت العظيم، وأما الكفر فهو أن يخطُر بباله أنه ليس كذلك؛ وإنما ذُكر للترغيب في الجماعة
[34]
.
19. مِن خصائصنا: الجماعةُ والجُمُعة، وصلاةُ الليل، والعيدين، والكُسوفين، والاستسقاء، والوِتر، وصلاة الضُّحى
[35]
.
20. ارْتِفَاعُ الأَذَان فَوْقَ الْمَآذِنْ = فِي انْبِلَاجِ الصَّبَاحِ وَاللَّيْلُ سَاكِنْ
دَعْوَةٌ تَحْمِلُ الْحَيَاةَ إِلَى الْكَوْ = نِ وَسُكَّانِهِ قُرًى وَمَدَائِنْ
وَنِدَاءٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْ = ضِ إِلَى ظَاهِرٍ عَلَيْهَا وَبَاطِنْ
وَلِقَاءٌ بَيْنَ الْمَلائِكِ وَالإِيـ = ـمَانِ وَالْمُؤْمِنِينَ مِنْ غَيْرِ آذِنْ
وَانْطِلاقٌ إِلَى الْفَلاحِ إِلَى الْخَيْـ = ـرِ إِلَى الْحَقِّ وَالْهُدَى وَالْمَحَاسِنْ
النقول:
قال ابن الأثير رحمه الله: "الفَذُّ: الواحد، وقد فذَّ الرجلُ عن أصحابه؛ إذا شذَّ عنهم وبقيَ فرْدًا"
[36]
.
قال ابن حجر رحمه الله: "وظهر لي في الجمع بين العددين أنّ أقلَّ الجماعة إمام ومأموم، فلولا الإمامُ ما سُمِّيَ المأموم مأمومًا، وكذا عكسُه، فإذا تفضَّل اللّه على من صلّى جماعةً بزيادة خمس وعشرين درجةً، حُمل الخبر الوارد بلفظها على الفضل الزّائد، والخبر الوارد بلفظ سبع وعشرين على الأصل والفضل"
[37]
.
قال ابن رجب رحمه الله: "والمراد بهذه الأجزاء والأضعاف والدَّرَج معنًى واحدٌ - واللهُ أعلم - وَهُوَ: أن صلاة الفذِّ لها ثوابٌ مقدَّر معلوم عِنْدَ الله، تزيد صلاة الجماعة عَلَى ثواب صلاة الفذِّ خمسة وعشرين أو سبعة وعشرين"
[38]
.
قال الصنعانيُّ رحمه الله: "قال التّرمذيُّ: عامَّة من رواه قالوا: خمسًا وعشرين، إلّا ابنَ عمر، فقال: سبعةً وعشرين، وله رواية فيها (خمسًا وعشرين)، ولا منافاة؛ فإنّ مفهوم العدد غير مراد؛ فرواية الخمس والعشرين داخلة تحت رواية السّبع والعشرين، أو أنّه أخبر صلى الله عليه وسلم بالأقلِّ عددًا أوّلًا، ثمّ أخبر بالأكثر، وأنّه زيادة تفضَّل اللّه بها، وقد زعم قوم أنّ السّبع محمولة على من صلّى في المسجد، والخمس لمن صلّى في غيره، وقيل: السّبع لبعيد المسجد، والخمس لقريبه، ومنهم من أبدى مناسباتٍ وتعليلات استوفاها المصنِّف في "فتح الباري"، وهي أقوال تخمينيّة ليس عليها نصٌّ، والجزء والدّرجة بمعنًى واحد هنا؛ لأنّه عبّر بكلِّ واحد منهما عن الآخر، وقد ورد تفسيرهما بالصّلاة، وأنّ صلاة الجماعة بسبع وعشرين صلاةً فُرادى، والحديث حثَّ على الجماعة"
[39]
.
قال ابن حجر رحمه الله: "وقد خاض قوم في تعيين الأسباب المقتضية للدرجات المذكورة، قال ابن الجوزيِّ: وما جاؤوا بطائل، وقال المحبُّ الطّبريُّ: ذكر بعضهم أنّ في حديث أبي هريرة إشارةً إلى بعض ذلك، ويضاف إليه أمور أخرى وردت في ذلك، وقد فصَّلها ابن بطّال، وتبعه جماعة من الشّارحين، وتعقَّب الزَّيْن بنُ الْمُنير بعض ما ذكره، واختار تفصيلًا آخَرَ أورده، وقد نقَّحتُ ما وقفت عليه من ذلك، وحذفت ما لا يختصُّ بصلاة الجماعة، فأوّلها: إجابة المؤذِّن بنيّة الصّلاة في الجماعة، والتّبكيرُ إليها في أوّل الوقت، والمشيُ إلى المسجد بالسّكينة، ودخول المسجد داعيًا، وصلاة التّحيّة عند دخوله، كلُّ ذلك بنيّة الصّلاة في الجماعة، سادسُها: انتظار الجماعة، سابعها: صلاة الملائكة عليه واستغفارهم له، ثامنها: شهادتهم له، تاسعها: إجابة الإقامة، عاشرها: السّلامة من الشّيطان حين يَفِرُّ عند الإقامة، حاديَ عَشَرَها: الوقوف منتظرًا إحرام الإمام أو الدّخول معه في أيّ هيئة وجده عليها، ثانيَ عَشَرَها: إدراك تكبيرة الإحرام، كذلك ثالثَ عَشَرَها: تسوية الصّفوف وسدّ فرجها، رابعَ عَشَرَها: جواب الإمام عند قوله: سمع اللّه لمن حمده، خامسَ عَشَرَها: الأمن من السّهو غالبًا، وتنبيه الإمام إذا سها بالتّسبيح أو الفتح عليه، سادسَ عَشَرَها: حصول الخشوع والسّلامة عمّا يلهي غالبًا: سابعَ عَشَرَها: تحسين الهيئة غالبًا، ثامنَ عَشَرَها: احتفاف الملائكة به، تاسعَ عَشَرَها: التّدرُّب على تجويد القراءة وتعلُّم الأركان والأبعاض، العشرون: إظهار شعائر الإسلام، الحادي والعشرون: إرغام الشّيطان بالاجتماع على العبادة والتعاون على الطاعة ونشاط المتكاسل، الثّاني والعشرون: السّلامة من صفة النّفاق ومن إساءة غيره الظّنّ بأنّه ترك الصّلاة رأسًا، الثّالث والعشرون: ردّ السّلام على الإمام، الرّابع والعشرون: الانتفاع باجتماعهم على الدّعاء والذّكر وعود بركة الكامل على النّاقص، الخامس والعشرون: قيام نظام الألفة بين الجيران وحصول تعاهدهم في أوقات الصّلوات؛ فهذه خمس وعشرون خصلةً ورد في كلّ منها أمر أو ترغيب يخصُّه، وبَقِي منها أمران يختصَّان بالجهريّة، وهما الإنصات عند قراءة الإمام، والاستماع لها، والتّأمين عند تأمينه؛ ليوافق تأمين الملائكة، وبهذا يترجَّح أنّ السّبع تختصُّ بالجهريّة واللّه أعلم"
[40]
.
قال المناويُّ رحمه الله: "قال القاضي: والحديث دليل على أن الجماعة غير شرط للصلاة، وإلا لم تكن صلاة الفذِّ ذات درجة حتى تفضل عليها صلاة الجماعة بدرجات، والتمسُّك به على عدم وجوبها ضعيفٌ؛ إذ لا يلزم من عدم اشتراطها عدم وجوبها، ولا من جعلها سببًا لإحراز الفضل الوجوب؛ فإن غير الواجب أيضًا يوجب الفضل"
[41]
.
قال أبو العباس القرطبيُّ رحمه الله: "وقيل: إن هذا بحسب أحوال المصلين؛ فمن حافظ على آداب الجماعة، واشتدَّت عنايته بذلك، كان ثوابه سبعًا وعشرين، ومن نقص عن ذلك، كان ثوابه خمسًا وعشرين. وقيل: إنه راجع إلى أعيان الصلوات؛ كالصبح والعصر، أو ما شاء الله منها، فيكون على بعضها سبعًا وعشرين، وعلى بعضها خمسًا وعشرين، والله أعلم.
وهذا الحديث ردٌّ على داودَ في قوله: إن من صلَّى فذًّا، وترك الجماعة، لا تُجزئه صلاته. ووجهُ الردِّ عليه: أنه صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة الجماعة أفضلُ من صلاة الفذِّ»، فشرَّك بينهما في الفضيلة، وذلك لا يكون إلا بعد الحُكم بصحة كلِّ صلاة منهما"
[42]
.
قال ابن حجر رحمه الله: "يريد أنّ صلاة الجماعة تساوي صلاة المنفرد، وتَزيد عليها العدد المذكور، فيكون لمصلِّي الجماعة ثواب ستٍّ أو ثمانٍ وعشرين من صلاة المنفرد"
[43]
.
قال ابن علان الصديقيُّ رحمه الله: "وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله قال: «صلاة الجماعة» الإضافة فيه بمعنى (في)، والظرفية مجازية، أو بمعنى اللام «أفضل»؛ أي: أكثر ثوابًا، «من صلاة الفَذِّ»، قال في "المصباح": هو الواحد، وجمعه: فُذُوذ، «بسبع وعشرين درجة» لا ينافي هذا ما يأتي في الحديث بعدَه من أنها تضعف على غيرها خمسًا وعشرين؛ إما لأن العدد القليل لا ينفي الكثير، أو أنه أُعلِم بالقليل أولاً، فأَعلَم به، ثم أُعلِم بالكثير فأَخبَر به، أو أن ذلك يختلف بحسب كمال الصلاة، ومحافظة هيئتها، وخشوعها، وكثرة جماعتها، وشرف البُقعة، ونحو ذلك"
[44]
.
قال أبو العباس القرطبيُّ رحمه الله: "وقد اختلف العلماء في هذا الفضل المضاف للجماعة: هل هو لأجل الجماعة فقط حيث كانت، أو إنما يكون ذلك الفضل للجماعة التي تكون في المسجد؟ لما يلازم ذلك من أفعال تختصُّ بالمساجد؛ كإكثار الخُطا إلى المساجد، وكتب الحسنات، ومحو السيئات بكل خُطوة، وانتظار الصلاة، ودعاء الملائكة، ومراعاة آداب دخول المسجد، إلى غير ذلك؟ والظاهر الأول؛ لأن الجماعة هو الوصف الذي عُلِّق عليه الحكم، ثم إذا قلنا: ذلك لأجل الجماعة، فهل تَفضُل جماعةٌ جماعةً بالكثرة؟ المشهور عن مالك أنه لا فضلَ لجماعة على جماعة، وقال ابن حبيب: بل تَفضُل جماعةٌ جماعة بالكثرة، وفضيلةِ الإمام. وعلى المشهور: فمن صلَّى في جماعة، فلا يُعيد في أكثرَ منها، وعليه عامَّة العلماء؛ إلا ما رُوي عن مالك وغيره من إعادتها في المساجد الثلاثة في الجماعة"
[45]
.
قال المناوي رحمه الله: "لا أعرِف لترك السُّنَّة وَجْهًا إلا كفْرٌ خَفِيٌّ أو حُمْقٌ جَلِيٌّ؛ فإن العبدَ إذا عَلم أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال ذلك في شأن الجماعة، فكيف تَسمَح نفْسُه بتركها بلا عُذر؟! فسببُ الترك إما حُمْقٌ أو غفلةٌ بألَّا يتفكَّر في هذا التفاوُت العظيم، وأما الكفر فهو أن يخطُر بباله أنه ليس كذلك؛ وإنما ذُكر للترغيب في الجماعة"
[46]
.
قال ابن سراقة رحمه الله: "مِن خصائصنا: الجماعةُ والجُمُعة، وصلاةُ الليل، والعيدين، والكُسوفين، والاستسقاء، والوِتر، وصلاة الضُّحى"
[47]
.