الكِتَابُ الرَّابع عَشَر: الذكر والدعاء والتوبة

قال تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا *}. [الأحزاب:35] وقال تعالى: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ *}. [العنكبوت:45] وقال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ *}. [البقرة:152]

2201 - (ق) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (إِنَّ للهِ مَلاَئِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ، يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْماً يَذْكُرُونَ اللهَ تَنَادَوْا: هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ. قَالَ: فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، قَالَ: فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ، وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ، مَا يَقُولُ عِبَادِي؟ قالَ: تَقُولُ: يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ، قالَ: فَيَقُولُ: هَلْ رَأَوْنِي؟ قَالَ: فَيَقُولُونَ لاَ، وَاللهِ مَا رَأَوْكَ! قالَ: فَيَقُولُ: وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي؟ قالَ: يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً، وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيداً، وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحاً.قالَ: يَقُولُ: فَمَا يَسْأَلُونَنِي؟ قَالَ: يَسْأَلُونَكَ الجَنَّةَ، قالَ: يَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ قالَ: يَقُولُونَ: لاَ، وَاللهِ يَا رَبِّ! مَا رَأَوْهَا، قالَ: يَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا؟ قالَ: يَقُولُونَ: لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصاً، وَأَشَدَّ لَهَا طَلَباً، وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً.
قَالَ: فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ؟ قالَ: يَقُولُونَ: مِنَ النَّارِ، قالَ: يَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ قالَ: يَقُولُونَ: لاَ، وَاللهِ يَا رَبِّ! مَا رَأَوْهَا، قالَ: يَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا؟ قالَ: يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَاراً، وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً، قالَ: فَيَقُولُ: فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ. قَالَ: يَقُولُ مَلَكٌ مِنَ المَلاَئِكَةِ: فِيهِمْ فُلاَنٌ لَيْسَ مِنْهُمْ، إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ. قَالَ: هُمُ الْجُلَسَاءُ لاَ يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ) .

2204 - (م) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: خَرَجَ مُعَاوِيَةُ عَلَى حَلَقَةٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: مَا أَجْلَسَكُمْ؟ قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللهَ. قَالَ: آللهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلاَّ ذَاكَ؟ قَالُوا: وَاللهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلاَّ ذَاكَ. قَالَ: أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ، وَمَا كَانَ أَحَدٌ بِمَنْزِلَتِي مِنْ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم أَقَلَّ عَنْهُ حَدِيثاً مِنِّي، وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم خَرَجَ عَلَى حَلَقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: (مَا أَجْلَسَكُمْ) ؟ قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلإِسْلاَمِ، وَمَنَّ بهِ عَلَيْنَا. قَالَ: (آللهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلاَّ ذَاكَ) ؟ قَالُوا: وَاللهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلاَّ ذَاكَ. قَالَ: (أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ، وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي: أَنَّ اللهَ عزّ وجل يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلاَئِكَةَ) .

2207 - (م) عَنْ حَنْظَلَةَ الأُسَيِّدِيِّ ـ وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم ـ قَالَ: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ؟! قالَ: قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ. قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! مَا تَقُولُ؟ قالَ: قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم، يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيَ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم، عَافَسْنَا [1] الأَزْوَاجَ وَالأَوْلاَدَ وَالضَّيْعَاتِ [2] ، فَنَسِينَا كَثِيراً. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللهِ! إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا.
فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم، قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (وَمَا ذَاكَ) ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! نَكُونُ عِنْدَكَ، تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأَيَ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدَكَ، عَافَسْنَا الأَزْوَاجَ وَالأَوْلاَدَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيراً. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي، وَفِي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلاَئِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وِفي طُرُقِكُمْ، وَلكِنْ، يَا حَنْظَلَةُ! سَاعَةً وَسَاعَةً) ثَلاَثَ مَرَّاتٍ.