الكِتَابُ الأَوَّل: إجمال السيرة النبوية

1213 - (ق) عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصالِحَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا؛ إِلاَّ جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الخَلاَءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ، فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ ـ وَهُوَ: التَّعَبُّدُ ـ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ المَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ: (مَا أَنَا بِقَارِئٍ). قَالَ: (فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي [1] حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ [2] ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ، قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَة حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ *خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ *اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكَرَمُ *} [العلق] ).
فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلَدٍ رضي الله عنها فَقَالَ: (زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي)
[3]
. فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ [4] ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ: (لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي). فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلاَّ، وَاللهِ! مَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَداً، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ [5] ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعَينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ [6] .
فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ، وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعِبْرَانِيَّ، فَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاء اللهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخاً كَبِيراً قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَا ابْنَ عَمِّ! اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ.
فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَا ابْنَ أَخِي! مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم خَبَرَ مَا رَأَى، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ
[7]
الَّذِي نَزَّلَ اللهُ عَلَى مُوسَى، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعاً! [8] ، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيّاً إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ). قَالَ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ؛ إِلاَّ عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْراً مُؤزَّراً [9] .

قال تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ *خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ *اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكَرَمُ *}. [العلق:1 ـ 3]

1214 - (ق) عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُوَمِنِينَ رضي الله عنها: أَنَّ الحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ رضي الله عنه سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (أَحْيَاناً يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ، وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ، فَيُفْصَمُ [1] عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ، وَأَحْيَاناً يَتَمَثَّلُ لِيَ المَلَكُ رَجُلاً، فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ).
قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ، فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقاً
[2]
.

1215 - (ق) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قامَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم حِينَ أَنْزَلَ اللهُ عزّ وجل: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ *} [الشعراء] قَالَ: (يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ـ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا ـ اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ [1] ، لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً. يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً. يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ لاَ أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً. وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللهِ لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئاً. وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي ما شِئْتِ مِنْ مالِي، لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئاً).

[خ2753/ م206]

1216 - (ق) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قالَ: لَمَّا نَزَلتْ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ *} وَرَهْطَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [1] ، خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا، فَهَتَـفَ: (يَا صَبَاحَاهْ!) [2] . فَقَالُوا: مَنْ هَذَا؟ فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ: (أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلاً تَخْرُجُ مِنْ سَفْحِ هَذَا الجَبَلِ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ) ؟ قَالُوا: ما جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِباً، قالَ: (فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ). قالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبّاً لَكَ [3] ، ما جَمَعَتْنَا إِلاَّ لِهذَا، ثُمَّ قَامَ، فَنَزَلَتْ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ *} [المسد] وَقَدْ تَبَّ. هكَذَا قَرَأَهَا الأَعْمَشُ يَوْمَئِذٍ.

[خ4971 (1394)/ م208]

1218 - (ق) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم كَانَ يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ، وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ، إِذْ قَالَ بَعْضُهُمْ لبَعْضٍ: أَيُّكُمْ يَجِيءُ بِسَلَى [1] جَزُوْرِ بَنِي فُلاَنٍ، فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ؟ فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ فَجَاءَ بِهِ، فَنَظَرَ حَتَّى إذا سَجَدَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم، وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَأَنَا أَنْظُرُ لاَ أغني [2] شَيْئاً، لَوْ كَانَ لِي مَنَعَةٌ [3] ، قَالَ: فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ، وَيُحِيلُ [4] بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَرَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم سَاجِدٌ لاَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، حَتَّى جَاءَتْهُ فَاطِمَةُ، فَطَرَحَتْ عَنْ ظَهْرِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ: (اللَّهُمَّ! عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ). ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَشَقَّ عَلَيْهِمْ إِذْ دَعَا عَلَيْهِمْ. قَالَ: وَكَانُوا يُرَوْنَ أَنَّ الدَّعْوَةَ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ مُسْتَجَابَةٌ، ثُمَّ سَمَّى: (اللَّهُمَّ! عَلَيْكَ بِأَبي جَهْلٍ، وَعَلَيْكَ بِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيَعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ). وَعَدَّ السَّابِعَ فَلَمْ نَحْفَظْهُ، قَالَ: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ عَدَّ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم صَرْعَى، فِي الْقَلِيْبِ [5] قَلِيْبِ بَدْرٍ.

[خ240/ م1794]

1219 - (خ) عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ قالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم، وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ في ظِلِّ الْكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا؟ أَلاَ تَدْعُو اللهَ لَنَا؟ قَالَ: (كانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذلِكَ عَنْ دِينِهِ. وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ ما دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذلِكَ عَنْ دِينِهِ. وَاللهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللهَ، أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ).

1220 - (خ) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ، اجْتَمَعَ النَّاسُ عِنْدَ دَارِهِ، وَقَالُوا: صَبَأَ عُمَرُ [1] ـ وَأَنَا غُلاَمٌ فَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِي ـ فَجَاءَ رَجُلٌ عَلَيْهِ قَبَاءٌ [2] مِنْ دِيبَاجٍ، فقالَ: قَدْ صَبَأَ عُمَرُ، فَمَا ذَاكَ؟ فَأَنَا لَهُ جَارٌ [3] ، قَالَ: فَرَأَيْتُ النَّاسَ تَصَدَّعُوا عَنْهُ [4] ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ.

[خ3865 (3864)]